المقارنة
بين المصطلحات المتشابهة لدى القراء والمحدثين
محمد أنيس هداية
القرآن والسنة وحيان من عند الله
تبيانا للناس لكل شيء وأساسا للشريعة الإسلامية. فتلقاهما الأمة بغاية الدقة
والتمحيص والموازين القسط في القبول والرد والاستدلال وغيرها. وتدرّجت الاصطلاحات
الخاصة بكلا الفنين في كتب العلماء العباقرة. وتميزت علم مصطلح الحديث الشريف
بمؤلفات تليدة من القديم إلا أن علم القراءة تطور في العصور المتأخرة. والأنواع
المشتهرة في علم الأصولين تشابهت في بعض المصطلحات نحو الأنواع الستة: المتواتر، المشهور،
الآحاد، الشاذ، المدرج والموضوع التي يبحث عنها كدراسة مقارنة في العلمين. والبحث
يلقي الضوء على نشأة علمي القراءات ومصطلح الحديث، الأنواع عند القراء والمحدثين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا، والصلاة والسلام على
من علّمهم الكتاب والحكمة وأنزل عليه القرأن ومثله معه، وكان فضل الله عظيما، وعلى
آله وتبعه حماة الوحيين – القرآن والسنة - على مر الدهور وفق قوله: "إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"[1]
بمقاييس قيّمة، وبعد.
السنة النبوية وحي من الله
كالآيات القرآنية. لأن الرسول ص "ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى".[2]فمصداقا
لتكفّل الله حفظ الذكر -بما يشمل القرآن والسنة- لا زال في الأمة الإسلامية من
يبذلجهودا مضنية من قديم العصور بهذا الصدد على المستوى الديني والعلمي. وهذه الأطروحة
تستهدف إلى مقارنة علمي القراءات والحديث ومصطلحاتهم المشابهة بمراجعة مقالة د/
مشعل محمد الحداري –مدرّس جامعة الكويت- في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية.[3]
فكأنه ابتكر لمثل هذه المحاولة الفعالة في تحديد المصطلحات العلمية لدى القراء
والمحدثين والدراسة المقارِنة بين بعضها.
ولا شك أن القرآن ونصه مجموع بين
الدفتين ومحصور من زمن الخلافة الراشدة. ونصوص الأحاديث الشريفة متعددة دوّن بعضها
جهابذة العلماء في كتبهم عن الرواة من عصر النبي ص. ومن زمن الصحابة والقدامى نفسه،
كانت لهم مقاييس ومواقف قيمة في المعاملة معها حيث هما الأساسان للشريعة الإسلامية.
وقداقتدى فيها لخلف بالسلف وتطور إلى أن صارا مليئا بالتصانيف المتعلقة.
نشأة
علمي القراءات ومصطلح الحديث
فانطلاقا من جلالة علمي القراءة
والحديث، حظيتا بالمكانة المرموقة تبعا لمنبعيهما من سائر العلوم الشرعية. ومن حيث
أن العلمين ينبثقان عن مشكوة واحدة إلهية، لا بد أن يرى التشابه بينهما ومصطلحهما
مع أن بعض العلماء ساهموا مساهمات بناءة في كل العلمين على حدة.
حفطت آيات القرآن الكريم أولا في
القلوب والصدور ثم الصحائف والسطور. وقد أنزل على سبعة أحرف لتسهيل الأمة
المحمدية. وقد تناقله الصحابة إلى أولادهم قراءة وفهما وعملا. ثم إن جمعه بمعنى
كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات: الأولى في عهد النبي ص والثانية في خلافة
أبي بكر خشيةَ الضياع بموت كثير من حفظة القرآن بمعركة اليمامة ثم الثالثة في عهد
عثمان بنسخ المصاحف حسب المدون عند حفصة وإرسالها إلى الآفاق مع الأمر بإحراق
الأخرى خوفَ الاختلاط والاختلاف. فجمع القرآن بين الدفتين بعد دور التأليف والجمع
والنسخ. ثم ظهر في المجال ما يسهل التركيز في علم القراءة مثل: أبي عبيد القاسم بن
سلام البغدادي (224ه)، وأبي حاتم سهل السجستاني (255)، وابن مجاهد العطشي (324)،
وابن مهران (381)، وابن سوار (496)، وأبي العز (521)، وأبي العلاء (529)، والواسطي
(741) وغيرهم من العلماء الكرام. وقد تطور هذا الفن بكتب في بحوث علوم القرآن بمثل: البرهان في علوم القرآن للزركشي (794)، والمقدمة الجزرية لابن
الجزري (833)، والإتقان للسيوطي (911) إلى أن زادت الكتب القيمة إلى الوقت الحاضر.
تماشيا مع القرآن الذي يحث على
تفحص النبإ من الفاسق أن يصيب في الندم، ورجاء أن يشمل في قول النبي ص: نضّر الله
امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه.. الحديث. تسابق الصحابة في نشر السنة
النبوية المطهرة على أرجاء المعمورة. ورواية علم الحديث
تنتمى إلى عهد الرسول ص. وكان تدوينه الرسـمي تحت إشراف عمر بن عبد العزيز في
بداية القرن الثاني الهجري. فلما "صعد الناس الصعب والذلول"،
ميزوا الصحيح من السقيم والمقبول من المردود بمقاييسهم المتينة. وهولاء الوقاة الحماة
الذابون عن الرسول ص ضعيف الأحاديث حكموا على الرواة ضمن عرض أقاويلهم وفحص حياتهم
وغيرها. فبدت الكتب في فن مصطلح علم الحديث بعد الرسالة للشافعي (204)، وسؤالات
أحمد (241)، ومقدمة الصحيح لمسلم (261)، ورسالة أبي داود (275)، والترمذي (279)، وابن
أبى حاتم الرازي (327)، وابن حبان (354) وغيرهم.ثم ظهرت
الكتب في دراية الفن بالتصانيف المستقلة كالمحدث الفاصل للرامهرمزي (360)، ومعرفة
علوم الحديث للحاكم النيسابوري (405)، والكفاية والجامع للخطيب البغدادي (463)،
والإلماع للقاضي عياض (544)، ومعرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح (643)، والباعث
الحثيث لابن كثير (774). وشوهدت مرحلة النهضة الحديثية بعده بكتب نحو التقييد
والإيضاح للعراقي (806)، ونزهة النظر مع نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني (852)،
وفتح المغيث للسخاوي (902)، وتدريب الراوي للسيوطي (911) وغيرها من الكتب
اللامثالية. واستمر التأليف على هذا المنوال في العلمين–القرآن والحديث- إلى العصر
الراهن.
الأنواع
عند القراء والمحدثين
وبعد
تدرج التطور والتأثر بالعلوم الأخرى، بدت العناية بالمصطلحات العلمية لدى علماء
كلا الفريقين من المحدثين والقرآء. ونمت ماهية الكلمات المستعملة عندهم بتنقيح
العبارات والتمثيل وغيرها. وبتهيئة الله في كل عصر من يتفرغ لحفظ الوحيين، أولى
العلماء الأجلاء من العلمين دقيق عنايتهم لتحرير التعريفات والمسائل والفروع منذ
فترة مبكرة. ويختلف الأنواع فيهما على أقوال من ساهموا فيها وقسموهما حسب وجهاتهم
المفهومة من حيث الاحصاء والحصر.
وقد
اتفق القراء على ثلاثة أركان لقبول القراءة القرأنية: صحة السند، وموافقة رسم
المصحف العثماني ولو احتمالا، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه. فمن المصنفين (1)
من قسم الآيات إلى الثنائية فقط من حيث القبول والرد. أي: المتواتر أو الشاذ،
والأكثر على هذا الرأي. (2) ومكي بن أبي طالب قسم القراءات إلى ثلاثة. ما يقبل من
القراءة فيقرأ به، وما لا يقبل ولا يقرأ به، وما يقبل ولا يقرأ به. فالأول ما
اكتملت الأركان والثاني ما تخلف فيه الموافقة والثالث ما خالف العربية. (3)
البلقيني قسمها إلى الثلاثة: المتواتر والآحاد والشاذ. فالأول قراءة السبعة
والثاني الثلاثة الملحقة إلى العشر والشاذ ما سواها. (4) استلخص الجلال السيوطي من
كلام ابن الجزري في الإتقان أن القراءات على ستة أنواع: المتواتر والمشهور والآحاد
والشاذ والمدرج والموضوع.
تعددت
الأنواع عند المحدثين أكثر من القرآء. فالنيسابوري جعلها 52 نوعا في "معرفة
علوم الحديث"، وابن الصلاح إلى 65 نوعا كما حصرها السيوطي في 93 نوعا في
التدريب. فبالطريقة المبتكرة سرد العسقلاني في النخبة والنزهة ما يزيد من مائة
مسائل في علم مصطلح الحديث. والتجوز العقلي لا يحصيها مما يطرأ بمثل مبحث رواية
الحديث بالمعني. والأنواع عندهم لها كتب مفردة في الفن خلافا لمصطلحات القراءات
إلا من المعاصرين في العصر الراهن.
مقارنة
بعض مصطلحات علمي القراءة والحديث
العرف
العلمي يختلف بأربابه المتداولين في صناعة الحدود والتعاريف وتلبي الحاجة الفعلية
لكل علم. وقد تشابهت أسماء مصطلحات علمي قراءة القرآن وعلم مصطلح الحديث الشريف في
ستة أقسام: المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والمدرج والموضوع. واتفقت في اسم
المصطلح ودلالته واختلفت تارة أخرى حسب مقتضيات العلم واختلاف الغرض للعلماء
المشاركين فيها.
1. المتواتر
المتواتر اسم فاعل مشتق من التواتر. والتواتر لغة: هو الانتشار
والكثرة والتتابع. يقال تواتر المطر أي تتابع نزوله، وتوترت الإبل إذا جاء بعضه في
إثر بعض عقب بعض. وهذا رواية الجمع عن الجمع مما لا خلاف أن هذا النقل أقوي من
رواية من هم أقل منهم في العدد. وقد اشترط المتكلمون المتواتر في أخبار العقائد
على الإجمال كما ذهب إليه الفقهاء والأصوليون.
المتواتر في اصطلاح
القرآء: عرّف ابن الجزي "المتواتر:
ما رواه جماعة، كذا إلى منتهاه"، والبنّاء "ما رواه جماعة عن جماعة
يمتنع تواطئهم على الكذب من البداءة إلى المنتهى". واختلفوا في تعيين العدد
كما اتفقوا على إفادته العلم مع حصرهم المتواتر في القراءة السبعة أو العشر لا
دونها. فلا يضاف إليها شيء ولا تحذف منها قراءة. فالمتواتر مصطلح معلوم متداول بين
القرآء.
المتواتر في اصطلاح
المحدثين: والخبر المتواتر: ما بلغت رواته في
الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطأهم على الكذب من أوله إلى آخره. هذا هو خلاصة التواتر
عند المحدثين.
وللمتواتر شروط أربعة، وهي
:(1) أن يرويه عدد كثير وقد
اختلف في أقل الكثرة علي أقوال.
(2) أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند
.(3) أن تحيل العادة تواطؤهم
علي الكذب.
(4) أن يكون مُستَند خبرهم الحِس، كقولهم سمعنا أو رأينا أو لمسنا، فيسمي الخبر حينئذ
متواترا .
والمتواتر يفيد العلم الضروري واليقيني، فكان المتواتر كله مقبولا ولا
حاجة إلي البحث عن أحوال رواته كما أن جاحده يكفر. وهناك :- المتواتر المعنوي: هو ما
تواتر معناه دون لفظه، والمتواتر اللفظي: أي ما تواتر لفظه ومعناه مثل حديث "من
كذب عليّ ". مع الخلاف في الوجود.
المقارنة: اختلاف العلماء في الحكم من سبب اختلاف مدلول المصطلح في العلمين.
فالقرآن لا يقبل فيه ما دون المتواتر على المعتمد، حيث إن الحديث يقبل المتواتر
ودونها من الآحاد بالفحص والمقياس مع أنه واجب الاعتقاد بصحتها، وحتى الضعيف في
الفضائل عند البعض. والمتواتر عند المتقدمين فيهما بمعنى تعدد الطرق وكثرتها وعند
المتأخرين بمعنى ما يحصل به العلم الضروري بمجرد السماع مع استواء أطرافه ووسطه
بالكثرة المختارة. فالمتواتر قليل نسبيا في الأحاديث النبوية بينما القرآن كله
متواتر. وهناك كتب في جمع الأحاديث المتواترة.
2. المشهور
المشهور
لغة اسم مفعول من الشهرة، أي المعروف بين الناس ودائر عل ألسنتهم. والمشهور على
المعنى اللغوي ما اشتهر على ألسنة الناس من غير توافر شروط المشهور الاصطلاحي فيه.
فيشمل ما له إسناد واحد وما ليس له إسناد ما.
المشهور في اصطلاح
القرآء: المشهور عند القراء: ما صح سنده ولم يبلغ درجة
التواتر، ووافق العربية والرسم، واشتهر لدى القراء. وليس من الغلط ولا الشاذ إلا
أن هناك من يختلف في حكم القراءة به.
المشهور في اصطلاح المحدثين: المشهور عند
المحدثين أن المشهور الاصطلاحي ما رواة ثلاثة فأكثر ولم يبلغ حد التواتر. وهو
المستفيض على رأي مع اشتراطهم أن لا يقل الرواة عن الثلاثة من الصحابة. ويستعمل
على العموم على معان أخر.
المقارنة: المشهور عند القراء ما حقق أركان القراءة الصحيحة واشتهر عندهم مع
اختلافهم في قبوله لعدم تواتره. ويشابه ما عند المحدثين من حيث الاسم لأنه عند
القراء لا يتوقف على تعدد الطرق بخلاف المحدثين. ويعنون به المشهور عند علمائهم
بالقبول. وهو دون المتواتر في العلمين بلا خلاف. ويمكن حصر المشهور عند الفريقين
على ثلاثة: الاصطلاحي وغير الاصطلاحي وعند أهل الفن. وفي الأحاديث المشتهرة على
الألسنة مؤلفات خاصة.
3. الآحاد
هو رواية الشخص الواحد لغة،
ويختلف مفهومها في العلمين.
الآحاد في اصطلاح
القرآء: الآحاد عندهم ما صح سنده وخالف الرسم أو
العربية أو لم يشتهر كما عرّفه السيوطي. وقال ابن الجزري بقبول قراءة اكتملت
الأركان الثلاثة ولم يستفض مع أن أخذ القرآن بأخبار الآحاد غير جائز عند أحد من
الناس. وهو داخل في عموم الشواذ عند الجمهور.
الآحاد في اصطلاح المحدثين: وهو عند
المتأخرين يستعمل في مقابلة المتواتر. فمن تقسيم أهل الاصطلاح الخبر باعتبار تعدد
طرقه: فما ليس لطرقه حصر، يسمونه المتواتر. وما له طرق محصورة يسمونه الآحاد ثم
ينقسم إلى المشهور والعزير والغريب. والقبول والرد إنما يكون بتفحص حال الراوي
والمروي والحكم عليه بما تقتضيه قواعد علمهم. فما صح منه واجب العمل.
المقارنة: دلالة الآحاد عند القراء واسعة المعنى.
وفي قبول ما حقق أركان القراءة المقبولة خلاف. والغالب على رده لدخوله في الشاذ
حينما ابن الجزري رجح قبوله. وكلما ليس متواترا آحاد عند المحدثين، فلا يحكمون
بقبوله ولا رده إلا بعد فحصه والحكم عليه بما يناسبه ويوجبون العمل بما ثبت منه.
4. الشاذ
الشاذ لغة اسم فاعل من
"الشذوذ" أي الانفراد. ويختلف تفصيله في علمي القراءة والحديث في وجوه.
الشاذ في اصطلاح القرآء: لم يختلف
القراء في رد الشواذ من القراءات. والمشهور في تعريفه قول السيوطي: "أنه ما
لم يصح سنده". ومصطلح الشاذ عند القراء مصطلح خاص يقصدون به ما خرج عن أركان
القراءة المقبولة. ويشملون تحته المنكر والغريب والموضوع والباطل من القراءات كما
أن بعضهم أدخل الآحاد أيضا في الشواذ. والقراءات الشاذة أيضا -كالقراءات
المتواترة- تتفاضل بحسب إسنادها قوة وضعفا، وبحسب رسمها مخالفة وموافقة، وبحسب
عربيتها فصاحة ونحوا وتصريفا. وقد ألف كثير من العلماء في بيان القراءات الشاذة
وتوجيهاتها. وقد سمّى بعض المتأخرين ما لم يصح سنده شاذا، والأولى تسميته بالضعيف،
كما هو الأقرب إلى الأذهان كاصطلاح أصول الحديث.
الشاذ في اصطلاح المحدثين: الشاذ ما
رواه المقبول العدل مخالفا لمن هو أولى منه حينما المنكر ما رواه الضعيف مخالفا للثقة. فيعلم من هذا أنهما يشتركان
في اشتراط المخالفة ويفترقان في أن الشاذ راويه مقبول ، والمنكر راويه ضعيف. وقد اختلف
العلماء في تعريفه على أقوال متعددة لكن هذا التعريف هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر
وقال : انه المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح، وابن الصلاح قد سوّى بينهما.
المقارنة: القراء يرون مخالفة الجمهور شذوذا
والمحدثون يرون مخالفة الأولى –سواء أكان فردا أم أكثر أو الأحفظ- شذوذا. فالشاذ
مردود لتخلف شرط أو أكثر من شروط القبول عند القراء -بمخالقة رسم المصحف كثيرا-،
والمحدثون يرجحون رواية أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غيرها من وجوه الترجيحات.
5. المدرج
هو اسم مفعول من الادراج، أي
الإدخال. من
أدرج الشيء في الشيء ، إذا أدخلته فيه وضمنته إياه. فالـمــُدرج هو الــمُـدخل على
المعنى اللغوي.
المدرج في اصطلاح
القرآء: هو ما زيد في القراءات على وجه التفسير،
كقراءة سعد بن أبي وقاص ر: "وله أخ أو أخت"[4]
-من أم-، وقراءة عائشة ر: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" –صلاة
العصر- وغيرها. ولا يظهر تنويع هذا إلا بعد السيوطي. وقال ابن الجزري: "ربما
يدخلون التفسير في القراءة إيضاحا وبيانا، لأنهم محققون لما تلقوه من النبي ص
قرآنا. فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتب معه". فالمدرج يدخل في
الموضوع باعتبار أنه ليس قرآنا، وينظر إلى صحته تفسيرا. ومظنة هذه كتب التفاسير.
المدرج في اصطلاح المحدثين: المدرج ما
غيّر سياق إسناده، أو أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل. وهو قسمان: مدرج الإسناد
مع أقسامه، ومدرج المتن. فمدرج المتن أن يقع في المتن كلام ليس منه في أوله أو
أثنائه أو آخره. كقول عائشة ر: يتحنث –يتعبد- في حديث عزلة الني ص في غار حراء.
وتعمّده بلا سبب حرام. وكلما أوهم غير المراد كان حكمه أشد من المردود. وللخطيب في
المدرج كتاب وزاد عليه العسقلاني.
المقارنة: اتفق القراء والمحدثون على عدم
عدّ المدرج من نص القرآن أو الحديث. ويعتبره القراء من التفسير كما يعدّه المحدثون
من بيان الغريب. والمدرج في السند لا وجود له في كلام القراء.
6.
الموضوع
هو لغة اسم مفعول من وضع الشيء، أي:
حطه. سمّي بذلك لانحطاط رتبته.
الموضوع في اصطلاح
القرآء: لا يوجد نص على تعريف القراءة الموضوعة. وابن
الجزري سمى القراءة عن غير ثقة كابن السميفع وأبي السمال: "لا أصل لها".
ولم يقل إنها شاذة بل ولا موضوعة. وقال الواسطي: إن الخزاعي وضع كتابا في الحروف.
نسبه إلى أبي حنيفة، فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له. وفيه
قراءة إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ[5]-برفع
الهاء ونصب الهمزة-.وقد برّأه غير واحد في بطلان النقل عنه حيث كان إماما جليلا من
أئمة القراء الموثوق بهم. قد جعل السيوطي الموضوع كالنوع السادس والعشرين من أنواع
القراءات إلا أنه لم يعرّفه. واكتفى بالتمثيل بقراءة الخزاعي.
الموضوع في اصطلاح المحدثين: الحديث
الموضوع معلوم عند المحدثين منذ العصور الأولى كتنحّيهم الغالب بقوله ص: من حدث
عني حديثا وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين.[6]
واتفقوا على تسمية الحديث المكذوب على النبي ص بالموضوع كما عدّوه من أضعف
المردود. وهو الذي صرح به ابن الصلاح بـــالـمختلَق المصنوع في النوع الحادي
والعشرين.[7]
وقد أفرد فيه المحدثون بالتآليف القيمة.
المقارنة: الموضوع أي المكذوب أشد أنواع
المردود ضعفا عند القراء والمحدثين. ويدخل القراء المدرج فيه على وجه أنه ليس
قرآنا كما أن المحدثين فرقوا بينه وبين لا أصل له. ولا منع من اتحاد الاصطلاحين
لقابلية تطبيقه على علميهما.
الخاتمة
أنواع القراءات القرآنية
والمصطلحات الحديثية لم تأت متطابقة. فالمقاصد في العلمين مختلفة. فالقرآن الكريم
على كبر حجمه نص واحد متواترة الألفاظ الذي جاز نقله على أحرف سبعة توسعة للأمة
حست توجيه النبي ص. وبقي منها ما طابق العرضة الأخيرة واحتمله رسم المصحف العثماني
المجمع عليه الأمة. وقام بهذه المهمة نقلة اختصوا به واشتهروا بذلك. أما الحديث
الشريف فنصوصه متعددة. رواها رواة لا يحصون كثرة. وتفرد بعضهم عن بعض وشذ آخرون.
وبهذا تشكل لكل فريق عرف علمي خاص به. فالأنواع في العلمين تشابهت من حيث العموم
وتباينت في نوع الشاذ مع أن الأصل اللغوي واحد. كما أن العلمين تأثر بمصطلحات
اشتهرت عند متأخري علماء الأصول، من حيث اعتبارهم القبول والرد للآيات والأحاديث.
[2]النجم: 3-4.
[3]د/ مشعل محمد الحداري،المصطلحات المتشابهة بين القراء والمحدثين (دراسة
مقارنة)، مجلة
الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 95، (1435 محرم)، ص
335-400.
[4] النساء: 12.
[5] الفاطر: 28.
[6] الترمذي، الجامع الصحيح، تحقيق أحمد مـحمد شاكر،
كتاب العلم، باب فيمن روى حديثا وهو يرى أنه كذب، (بيروت: دار إحياء التراث
العربي، د.ت)، ج 4، ص 23، رقم الحديث 2106.
[7] ابن الصلاح، علوم الحديث، تحقيق نور الدين عتر،
(دمشق: دار الفكر المعاصر، 2001)، ص 98.
No comments:
Post a Comment